فن

«ثلاث نساء في غرفة ضيقة»: مشكلات المرأة من كل الزوايا

«ثلاث نساء في غرفة ضيقة» رحلة أدبية تغوص في أعماق قضايا المرأة، تمزج بين الواقعية والفانتازيا بأسلوب فني مثير ومختلف.

future غلاف المجموعة القصصية الجديدة «ثلاث نساء في غرفة ضيقة» للقاصة والروائية هناء متولي، الصادرة عن بيت الحكمة

تبدو الكتابة عن المرأة وقضاياها ومشكلاتها هاجسًا أساسيًا عند كثيرٍ من الكاتبات، ويكون التحدي الحقيقي في الطريقة أو الأسلوب الذي تختاره تلك الكاتبة في عرض وتناول المشكلات، ما بين التناول العابر والسطحي والتحول إلى تصوير المرأة كضحية فحسب، وبين التناول الواقعي الحقيقي للمشكلات والتعبير عنها بطريقة فنية تجعل القارئ متفاعلاً معها وليس متعاطفًا فحسب. ولعل هذا النوع الأخير هو الذي يظهر بوضوحٍ في قصص هناء متولي، والتي حملت اسم «ثلاث نساء في غرفة ضيقة»، الصادرة مؤخرًا عن بيت الحكمة للثقافة والنشر.

يبدو العنوان، لو جردناه عن القصة المرتبطة به، وكأنه مفتاحٌ أساسي يمكن الدخول منه إلى عالم تلك القصص، فثمّة حالة من الحضور القوي للنساء، مرتبطة بالعدد. ورغم أنهن ثلاثٌ فقط، إلا أن صفة «ضيقة» الملحقة بالغرفة جعلت الأمر أشبه ما يكون بالتكدس، وهو ما سيظهر لنا على غير ذلك تمامًا في القصة التي تحمل اسم المجموعة. ولكن المؤشر موحٍ ودال، ليس فقط فيما يحمله، ولكن يشترك معه في ذلك لوحة الغلاف التي حملت اختيارًا له دلالته؛ حيث الفنانة فريدا كاهلو في صورتين متقابلتين وصورة ثالثة لها مؤطرة كلوحة فنية في المنتصف. ولا شك أن اختيار فريدا كاهلو بحد ذاته يعد توجيهًا واضحًا للقارئ/المتلقي لهذه المجموعة والتفاعل معها.

ولكن هناء متولي لا تكتفي بالعنوان والغلاف، بل تضع مدخلاً شديد الأهمية، ذلك أنه ليس جملةً واحدة ولكنها رسالة خاصة إلى «سيلفيا بلاث»:

«أستمع إلى صدى كلماتك بين همسات الوحدة وأصوات الكتابة، كأنكِ تركتِ لي خريطة في دفاترك، تشير إلى تلك الأماكن العميقة داخل النفس حيث يختبئ الضوء خلف الظلال. أكمل طريقي اليوم بحبر لا يزال يحمل شيئًا من دفء أصابعك، وأعدك أنني سأكتب حتى حين تلتهم النار القلم، كما كتبتِ حين كان العالم بأكمله صامتًا».

هكذا تبدو رسالة الكاتبة صريحة وواضحة؛ تلك الكتابة التي تشير إلى النفس الإنسانية وأعماقها، وتريد بكل بساطة أن تحول الكتابة إلى أداة كاشفة لذلك الصراع والآلام مهما كان العالم من حولها صامتًا ومتجاهلاً. وهكذا تبني هناء متولي منذ السطور الأولى للمجموعة جسرًا يصل بينها وبين سيلفيا بلاث؛ حيث الرغبة في كسر سياج الصمت والتحرر من خلال الكتابة.

بعد كل هذا، ربما يفكّر القارئ: كيف ستتناول هناء قضايا المرأة؟ ما المشكلات التي ستتحدث عنها: الاغتصاب والتحرش، ختان الإناث وزواج القاصرات؟ القمع الذكوري، وماذا بعد؟!

تأخذنا الكاتبة من القصة الأولى إلى «عالم الصمت» ذاك، فإذا نحن إزاء بطلة تجد نفسها في ميدان التحرير وسط القاهرة وقد خلا من الناس، ولم يكن منها، والحال كذلك، إلا أن تجدها فرصة، لا للصراخ أو الرقص أو احتلال الأماكن، ولكنها تعود إلى منزلها ترسل رسالة إلى حبيبها لتخبره أن «العالم أصبح ملكًا لنا».. ثم تستسلم للنوم.. للنوم الطويل. هكذا تأخذنا الكاتبة إلى عالمها ببساطة، وتمهد لتأمل بقية القصص والحكايات.

أربعة وعشرون نصًا قصصيًا موزعة على صفحات المجموعة التي لا تتجاوز الـ150، مما يشير إلى أننا إزاء قصصٍ قصيرة لا تزيد الواحدة منها عن ست صفحاتٍ على أقصى تقدير. بل إن بعض نصوص المجموعة يقتصر على مشهدٍ واحد في صفحتين فحسب، وهو ما يوحي بميل الكاتبة إلى الالتقاطات القصيرة الموحية والبعد عن الإطالة والإسهاب.

يمكن تقسيم قصص المجموعة بشكلٍ عام إلى قسمين: في الأول نجد سيطرة عالم الفانتازيا والخيال على القصص، وإن اكتست تفاصيلها بإطار واقعي، وفي القسم الثاني نجد القصص الواقعية التي تتسم بقدرٍ من السوداوية. ينتمي إلى قصص القسم الأول «سبب مفاجئ للنوم الطويل، وقصة المجموعة ثلاث نساء في غرفة ضيقة، رسائل إلى ميرنا، بنات ريم التسع، البكاء على الحافة، ارحلي بعيدًا يا سمينة، دموع الكراميل»، وغيرهم. ويغلب على قصص هذه المجموعة قدرة الكاتبة على إعمال الخيال والمزج بين الواقعي والفانتازي. ففي قصة «ثلاث نساء» تستحضر الكاتبة بطلات روايات الكاتب محمد البساطي، وكأنما يقمن بمحاكمته، وتصور حيرة الكاتب الذي تحول إلى بطل في عالمها وكيف يسعى للتخلص من تلك الورطة. بخلاف ما نجده في قصة «دموع الكراميل»، التي تتحول فيها قسوة الزوج على زوجته إلى دموعٍ تصبها في قالب الكراميل الذي تقوم بإعداده، مما يؤدي إلى وفاة الزوج بكل بساطة. واستطاعت الكاتبة أن ترسم عالم القصة بشكلٍ مسرحي تقسم فقراته إلى مشاهد متصلة منفصلة، وهي التقنية التي اتبعتها في أكثر من قصة.

في قصة «ارحلي بعيدًا يا سمينة» تحكي عن تجربة تخوضها البطلة للتعامل مع روبوت آلي بدلاً عن الزوج:

«بعد عامين، شعرت بالملل والحنين إلى الطفل، سافرت إلى لبنان وتبنت طفلاً حقيقيًّا، ولم يعرف أحدٌ إلا أنها أنجبت. ولمعالجة الملل أدخلت بعض الجمل الجديدة، على شاكلة: "لن أتخلص من كيس القمامة"، "أنت زوجة متطلبة"، "النساء خفيفات العقل"، "لقد زاد وزنك"، وربما أدخلت تعديلاً بسيطًا على برنامج التشغيل الخاص به كافتعال مشاجرة صغيرة ومن ثم ترضية ضخمة. وهكذا دأبت على إعادة برمجته كل فترة، وإعادته لضبط المصنع ثانية».

أما القسم الثاني من قصص المجموعة الذي يغلب عليه السرد الواقعي، فمنهم قصص «رسائل إلى ميرنا، فتاة البايبولار، سقوط حر، قط ذكر لقطة وحيدة، نزع رحم». يلحظ القارئ في هذه القصص رصدًا واقعيًا شديد المأساوية لحياة المرأة في المجتمع، بين امرأة تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة وقسوته، وأخرى تستسلم للحظة انتحارٍ قاسية، أو فتاة تعيش مع أبٍ يغتصبها حتى تقرر مواجهته بطريقتها الخاصة.

انتقلت قصص المجموعة بين عددٍ من أنماط السرد، واستعانت بعددٍ من التقنيات المختلفة، فزاوجت في بعض القصص بين تيار الوعي والسارد الخارجي، كما استخدمت في قصص أخرى تقنية التقطيع السينمائي لمشاهد متتالية، واستخدمت تقنية الكتابة المسرحية في بعض القصص، أو حالات فيس بوك، وطريقة تقديم الطعام كما تأتي على شاشات التلفزيون. كل ذلك لتقديم عملٍ قصصيٍ مختلف.

وربما يسهم اختلاف تقنيات القص في التخفيف من حدة بعض القصص وما فيها من سوداوية وكآبة سيطرت على العديد منها، ذلك أن الانشغال الأساسي لدى هناء متولي كان منصبًا على التعبير عن تلك المشكلات بواقعية، حتى لو جنحت في قصص أخرى ومحاولات تالية لاستخدام عالم الفانتازيا وكسر إيهام القارئ بالواقع. نقرأ في قصة «سائل لزج له طنين»:

«تعتاد الحزن حتى إنه في أغلب الأحيان لا يقتلك، بل تعايشه وتهادنه وتبني معه جسرًا طويلاً ممهدًا من الصداقة. لكن القتل الحقيقي يختبئ وراء القهر والإجبار. ذبلت نور وانطفأت آخر شعلةٍ مضيئةٍ بين عينيها، تلك الشعلة التي كان يبقى عليها إخلاصها لحبها الراحل. ذبلت حتى تلاشت وانكمشت، حتى أنك إذا أطلت النظر إليها رأيت بقعًا من الدم الأزرق المتجلط تسد عروقها».

في النهاية، استطاعت هناء متولي أن تقدم للقارئ وجبة قصصية مختلفة، كان واضحًا فيها قدرتها على اللعب بمستويات السرد وتقنياته الحداثية من جهة، ومحاولة عرض عدد كبير من مشكلات المرأة والإنسان بشكل عام من جهة أخرى.

# كتب # مراجعات أدبية # بيت الحكمة

كتاب «الجغرافيا المقلوبة»: أماكن وآراء وأدب
ترشيحات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
ملفات سامح الصيرفي: متعة العودة لروايات الجيب

فن